وقفات أسئلة

أ.د. عبد المجيد علي التقاز أستاذ الفلسفة الحديثة كلية الآداب جامعة الزاوية – ليبيا Bdamjydaltqaz@gmail.com


ثمة خواطر كثيرة ومبسطة قد تجول في ذهن الإنسان العادي، الإنسان القاعدي الذي يمثل الطّيف الأوسع من المواطنين وتنطبق عليه أغلب التساؤلات الواردة المترددة عبر الزمن والتي تتشارك استبطانها أذهان كثيرة، تشغلها وقد تؤرقها وتوقظها. لربما تنقضي للمرء سنوات طويلة قبل أن يرمي بالأسئلة عن: ماذا قدمت؟ ماذا صنعت من أجل الذات؟ ماذا صنعت من أجل الآخرين؟ وما الذي حققت؟ وما المطلوب انجازه؟


وهكذا تتناسل الأسئلة الكثيرة وتستمر، وتظل تؤرق العقل الإنساني وتشغل حيزا واسعا من تفكيره.        ومع ذلك وبعد كل تداولات الأسئلة ثمة ميول طبيعية بشرية إلى عيش الجمود والنأي عن التطلع والتجديد. الماضي يجب أن يكون درس الحاضر، وإذا توصلنا إلى قول الحقيقة عن ماضينا فقد نتجرأ على قول الحقيقة عن حاضرنا جموعا وأفرادا عن المجتمعات والدول والتاريخ. لكن لم نفعل ذلك حتى الحين؟ ونحن عندما ننظر في الواقع تتبدى لنا بكل جلاء الرثاثة الباعثة على الخجل لذوي الألباب. فهل من أسباب؟ لعل من دواعي ذلك هو أننا عاطفيون جدا حد التطرف؛ فالعواطف قد تحول دون تلمس الحقيقة، يغمرنا الجهل بالحقائق في كثير من الأحيان، قلة التنظيم، فساد الشخوص المتصدرة لكل المشاهد. إذا فلتفكروا طويلا، ولتقفزوا على غواية العاطفة قبل صياغة كل قرار أفرادا وجموعا. هذا الإنسان الاجتماعي بطبعه مجبول على النقاش والتحاور، لكن في الممارسة وسيرورة الحياة قد تسقط كل السلطات المجتمعية مُكْنَتَه من ذلك النقاش البناء فيندحر خلف ضغوطات الخبز والماء. ذلك الإنسان المميز خِلْقة بالعقل؛ محتاج أيضا إلى أن في كل دعوى يعبر عنها للإدلاء بحجة، وقادرا على البرهنة على الشكوك التي يثيرها المنافسون والخصوم. من الدرس المستفاد من الفلسفة، أن الفلاسفة يتبعون منهاجا أو طرائق في النظر والبحث ولا يكتفون بحدوسهم الشخصية؛ وإنما يسعون إلى الاستدلال عليها أو الإقناع بها. فالسوفسطائيون مثلا سخروا فنون الخطابة لإشهار آرائهم، واستعمل أفلاطون ضروب الحوار والجدل للوصول إلى تطبيق العدالة، وحاول ديكارت استخلاص منهج يصبح مفتاحا لاكتشاف الحقائق ..الخ. لذلك نقول أن الحياة كبيرة ومتناثرة ومليئة بالمستنقعات، وليس لها طريق واحدة مُعبّدة، وعلينا اكتشافها من خلال توظيف شيء اسمه الإرادة الكامنة داخلنا باستخدام العقل، والاهم هو وجود هوة سحيقة بين الفكرة والتجربة، نحاول بكل قوانا أن نتخطاها عبثا، ومع ذلك فالإنسان يطمح إلى التغلب على هذه الهوة بالعقل والذكاء والإيمان والعاطفة والوهم، وكذلك الحماقة حين لا يجد ملاذا آخر.